روايات شيقهرواية المستحيل

نوفيلا المستحيل للكاتبة شاهندة الفصل الثالث عشر والأخير

جلس جوارها بعد أن أزال تاج رأسها وبضعة دبابيس فسقط شعرها البني الناعم علي ظهرها، كانت تقبض يدها بقوة فأدرك خوفها واضطرابها، مد يديه يمسك يديها فنظرت إليه. ابتسم يتطلع إلى بندقيتيها قائلا: متخافيش لو محتاجة وقت كمان أنا مستعد أديهولك.
سحبت يدها من يديه وهي تنهض وتمشي قليلا قائلة: حقيقي مش عارفة مالي. أنا آسفة متزعلش مني.

نهض يقترب منها يحيطها بذراعيه فأسندت ظهرها إلى صدره بينما يقول: أنا مش ممكن أزعل منك أبدا، وبعدين ده شيء طبيعي لأي بنت في ليلة فرحها تبقي عاملة زيك بالظبط، بكرة الخوف والخجل والقلق ده كله يروح وتيجي تقوليلي انت مش هتبوسني بقي ياخالد مبقتش قادرة أتحمل.
استدارت تقول له باستنكار خجول: خالد.
تأمل عيناها الجميلتين بحب قائلا: قلب خالد وعمره كله.

أطرقت برأسها خجلا فقال بابتسامة حانية: ايه رأيك نرقص سلو علي الاغنية اللي بتحبيها وأهو احنا ياستي لوحدينا ومفيش ناس تنكسفي منهم؟
هزت رأسها فاتسعت ابتسامته وهو يتجه لجهاز الاستريو الحديث ينتقي الأغنية باستخدام الريموت كونترول لتنساب الكلمات بنعومة. أمسك يدها بيد وأحاط خصرها بيد بينما يقول المطرب.
قل حبيبي إنك معايا وجنب مني
دي الحقيقة ولا حلم وطال شوية
والكلام الحلو ده بتقوله عني.

يعني فعلا دنيتي رضيت عليا
وعد مني تعيش معايا سنين معشتش زيهم
أحلامك اللي حلمتهم
انسى الحياة والدنيا دي وتعالى نهرب منهم
ما بقتش عايز ناس خلاص جالي اللي بيهم كلهم
يا اللي سايب لي روحك ومأمني
اللي فاتك من الحياة هتعيشه بي
وفي عيونك ألف حاجة مفرحني
والحياة بتزيد جمال لو بصوا لي.

وجدها تضع رأسها علي صدره فشعر بخفقاته تثور، تهتف باسمها مابين الخفقة والأخري. مال يقبل رأسها وينثر قبلات خفيفة علي جانب الوجه فوجدها مستسلمة تماما لقبلاته تغمض عيناها الجميلتين، ليرفع وجه وينثر قبلاته علي جانب وجهها من الجهة الأخري، انفرج ثغرها قليلا فوجد نفسه يميل ويخطف أنفاسها في قبلة تقبلتها في البداية بخجل ثم شاركته اياها، وضع جبهته علي جبهتها وقد ضاعت الأنفاس في هذه القبلة وكادت تزهق الأرواح عشقا. همس بصوت مفعم بالمشاعر: لو حسيتي اني لازم أوقف. وقفيني.

اكتفت بهزة سريعة من رأسها فمال يقبلها وهو ينتظر منها كلمة توقفه عن اجتياح مشاعره لمشاعرها ولكن هل يمكن لأحد أن يوقف طوفان العشق؟

بتقولي مين اللي طالب يشوفني؟
أستاذ عادل الهواري يامدام هند.
كادت أن ترفض وتطلب منها أن تصرفه بعيدا ولكنها وجدت نفسها تقول بهدوء: خليه يتفضل.
خرجت السكرتيرة ودلف هو، وجدت نفسها تطالعه ببرود وهو يتقدم تجاهها يطالعها بنظرة اشتياق وحنين وتوق، وما ان توقف أمام مكتبها حتى همس باسمها قائلا: هند.
آفندم. أي خدمة؟
هند. أنا عادل.

مال فمها بسخرية قطرت من أحرفها وهي تقول: آه ما انا عارفة. خير. ايه سبب الزيارة دي؟
قطب جبينه قائلا: جاي أشوفك وأطمن عليك.
أنا كويسة. حاجة تانية؟
ايه البرود ده؟ انت مش ممكن تكوني هند اللي كنت بس أقف قدامها أحس بالدفا.

نهضت قائلة بابتسامة باردة: انت أكيد بتهزر مش كدة؟ بص. أنا مش هقلب في اللي فات ولا هسألك كل الأسئلة الكتيرة اللي كانت دايما في بالي ومبلاقيش ليها جواب. تعرف ليه؟ لإن مفيش مبرر في الدنيا يقدر يقنعني باللي عملته فيا ولا فيه حاجة ممكن تغفرلك. فالأحسن تمشي من هنا ياعادل ومتورنيش وشك تاني.

بس انا مكنتش هقدم مبررات أنا معترف اني غلط وغلطي كان كبير وملوش مبرر بس انا طمعان في كرمك وطيبة قلبك. طمعان في غفرانك.
كرمي وطيبة قلبي وغفراني بديهم للي يستاهلهم. لكن انت متستاهلش.
هند أنا…
قاطعه طرقات علي الباب ثم دلوف أدهم بابتسامة جذابة بادلته إياها هند. فقال: ممكن ادخل ولا مشغولة؟
قالت بترحاب: مقدرش أنشغل عنك. تعالي ياأدهم.

اقترب أدهم منها يطالع هذا الرجل أمامها بفضول لم يظهر علي ملامحه بينما بدا زائرها في عذاب يطالعه بنفور وصله دون جهد، وقف جوارها ينتظر تقديم هند لهذا الرجل وإشباع فضوله فلم تتواني عن فعل ذلك وهي تقول: عادل الهواري. طليقي.
أدهم السلاموني. مدير الدار وخطيبي. أكيد الأستاذ عادل مشغول ووراه حاجات مهمة. شرفتنا.

ظهرت الصدمة علي وجه عادل للحظات ثم نكس عيناه بحزن وهو يتجه للخارج بخطوات منكسرة يغادر الحجرة ولكن ليس قبل أن يلقي نظرة طويلة عليها. قرأ الكلمات بوضوح في مقلتيها لتذكره بأغنية لوردة لطالما أحبتها وسمعتها وكأنها تنبأت بما يحدث.
مستحيل ده مستحيل. لو عملت المستحيل
هو جرحى كان شوية ولا دمعي ودمى ميه
ولا أنا قاسيت قليل.
بعد عمايلك أنا إشتاقلك. متهأليك
مستحيل. مستحيل. لو عملت المستحيل.

إتمنيت أسهر أيامى و أنام أحلامى بين أحضانك
وإستنيت يصحى لي ضميرك. و يصحى عطفك و حنانك
إستنيت بحنينى و حبى. و أملى و يأسى
كنت بحبك حب. ما صدقتوش أنا نفسى
كنت أسمعلك دقت بابي. قبل ما توصل عند الباب
كانت الفرحة معاك طايرة بى. قبل سمانا ما تبقى سحاب
كنت حياتى. عمرى. وروحى. خليتنى أمشى أكلم روحى
جاى تقول معلش خلاص. وتكلمنى عن الإخلاص
وتبكى ليه وليك عين تبكى وتلومنى
لأول مرة أشوف القسوة تبكى.

وتشكى منى بعد ده كله يا ظالمنى
لأول مرة أشوف الظلم يشكى
كلام سمعته كتير. أيام ما كنت بغير
و أغضب وتنده لي م الفرحة قلبى يطير
كنت وحيدى. و كنت وحيدك
ضعنا إحنا الإثنين من إيدك
أغلق الباب بألم بينما التفت أدهم إلى هند يقول: قولتيله اني خطيبك عشان تجرحيه؟

هزت رأسها نفيا قائلة: لأ. عشان دي الحقيقة وعشان يتأكد ان رجوعي ليه مستحيل، منعت بالخبر ده كل الكلام اللي شفته في عنيه. منعت اعتذار ملوش قيمة وندم مش هيفيد. منعت اصرار في دماغه اني لسة بحبه ومستنياه يرجعلي. منعته يجيلي تاني وتالت ورابع وكأني ممكن أسامحه في يوم من الأيام. قلتلته بالخبر ده اني كملت حياتي وان قلبي مبقاش ملكه. بقي ملك واحد تاني.

أمسك يديها بين يديه قائلا بلهفة: بجد ياهند قلبك بقي ملكي خلاص.

طالعت مقلتيه بحب قائلة: في اللحظة اللي وقف فيها قدامي ومهزش ذرة في كياني. في اللحظة اللي محستش فيها بمرارة جرحه ونطقت اسمه بكل برود. عرفت اني نسيته وحقيقي مبقاش ليه وجود في حياتي. وفي اللحظة اللي اتمنيت وجودك انت جنبي ولقيت قلبي بيناديك ولقيتك بتلبي نداه وتطل قدامي عرفت اني حبيتك من كل قلبي ياأدهم ومش ممكن أستني لحظة زيادة من غير مااعترفلك بمشاعري.
يابختك ياأدهم. حبيتك أجمل وأرق ست في الدنيا.

ابتسمت في خجل فأردف قائلا: طب ومستنيين ايه؟ يلا بينا علي المأذون. ده انا هعملك فرح ولا فرح الأميرة ديانا.
حيلك حيلك. فرح أخويا كان امبارح وهيقعد شهر بحاله بعيد عن الدار هو وصفية وورانا بلاوي. يرجعوا هم نتجوز احنا. معادلة بسيطة أهي.
قال باستنكار: وانا لسة هستني كل ده؟
انت مش قلت هتستناني العمر كله؟
علي ماتحبيني واهو انت حبتيني يبقي هستني ايه بس؟
قالت بمرح: تستني الفرج.

تاه في طيات ابتسامتها يدرك صعوبة انتظاره وقد اعترفت له توا بمشاعرها ولكن من أجل هذه الابتسامة سيتحمل.

ياعمي ده انا ابن اخوك. ميصحش تجيبني بالشكل ده وتربطني كدة؟
وانت خليت فيها يصح وميصحش ياولد أخوي. تجهر بتي وترمي عليها يمين الطلاج إكده من غير ماترجع لكبيرها. وهي كت عملت ايه يعني؟
كانت عارفة اللي حصل زمان وخبت عليا وبتعاير أمي كمان وبتهددها تفضحها.

رايداك ومرضيتش تخرب علي نفسها لما تجولك ان ضرتها كانت مظلومة. عتحبك. مش ذنبها ولا ايه؟ وبعدين أمك دي حرباية وخبت عليك. ذنبنا ايه يعني؟ هددتها بانها تعمل معاها زي ماعملت في السابج فنبهتها انها خابرة. محصولش حاجة. تجوم انت تطلجها إكده؟ طب كنت خاف علي زعلي.
أطرق عادل برأسه قائلا: مبقاش ليه لازمة الكلام ده ياعمي. لا أنا هرجع لهند ولا هترجع لذمتي. سيبوني في حالي بقي لإني جايب أخري.

عاوزنا نفوتك لحالك؟ تمام. هتدفع ياحيلة أمك مؤخر الصداج. مليون جنيه بالتمام والكمال ده غير الفلوس اللي فتحت بيها مشروعك وماضي بيها شيكات. نجول مليون جنيه كمان.
رفع اليه عينان مصدومتان وهو يقول: وانا اجيب المبلغ ده كله منين؟
معيلزمنيش أعرف هتجيبه منين؟
خلاص بيع الأرض وخد فلوسك.
أرض ايه ياأبو أرض انت؟
أرضي اللي سابهالي أبويا.

أبوك ملوش عندي حاجة، بوي الله يرحمه كتب كل حاجة باسمي، كان خابر ان أبوك لو خد الأرض هيبيعها وعشان إكده كتبها بإسمي.
بس دي أرضي.
ابجي اثبت بقي في المحاكم، ده لو عنديك مال أصلا توكل بيه محامي.
بتبيعني ياعمي؟
اللي يبيعنا نبيعه ولو روحنا فيه.
أطرق برأسه يصارع أفكاره قبل ان يرفع وجهه إليه قائلا باستسلام: خلاص اللي تشوفه ياعمي.
عجلت خلاص ولا هندخل في بحر عميج ملوش جرار نهايته الغرج ياولد أخوي.
لأ عقلت.

حلوه ياواد منك ليه.
أسرع رجال عمه يفكون الأحبال من حوله بينما يقول عمه: تاجينا عشية تستسمح مرتك وتردها، هاتلها هدية حلوة معاك، النسوان عتحب الهدايا وتتراضي بيها، ومن بكرة تشوفلها شجة تانية بعيد عن الست الوالدة. مفهوم؟
مش هينفع. أصل…
قاطعه قائلا بحزم: لا أصل ولا فصل بتي لايمكن تجعد مع ولية سو زي أمك. أخاف تعمل فيها حاجة ماهي جادرة وتعملها.
تركه وغادر المكان لينكس عادل رأسه بحزن.
بعد مرور 3 سنوات.

كانت هند تمنح بعض كبار السن هدايا من تصاميمها في دار المسنين هذه ضمن حملتها التي أطلقتها من أجل التبرع للمحتاجين، حين اقتربت منها سيدة عجوز تعرفت عليها علي الفور لتقطب جبينها قائلة: ست نجية.
ازيك ياهند.
الحمد لله.
قالت نجية بتردد: أنا شفتك من ساعة مادخلتي بس بعدت. كنت خايفة من رد فعلك لما تشوفيني، بس قويت قلبي وانا شايفة انك لسة زي ماانت رغم الخير اللي بقيتي فيه. قلبك طيب وروحك حلوة.

الفلوس مبتغيرش غير النفوس الضعيفة ياست نجية.
معاكي حق يابنتي.
هو انت هنا بتعملي ايه؟
بتونس بالناس. أصل البيت فضا عليا بعد ماعادل ووردة خدوا شقة بعيد عني ومبقتش اشوف عادل غير كل سنة مرة.
عادل يعمل كدة؟ مش معقول.
ذنبك يابنتي وبيخلص.

لتميل علي يدها فجأة تقبلها فأسرعت هند تسحب يدها بينما تقول نجية: سامحيني ياهند. غلطت في حقك كتير وربنا جزاني. أنا ست مستنية الموت في أي لحظة ومش عايزة أقابل وجه كريم وذنبك في رقبتي.
ربتت هند علي كتف نجية قائلة: مسامحاكي والله ومسامحة عادل كمان. غلطاتكم في حقي كان ليها فضل عليا. لولا الغلطات دي مكنتش وصلت للي أنا فيه ولا كنت عشت السعادة اللي أنا عايشاها دلوقتي.

وجدت رجلا يحمل طفلا عمره عام أو أكثر قليلا يناديها بابتسامة فهزت رأسها وهي تبتسم بدورها وتلوح له فقطبت نجية جبينها قائلة: مين دول؟
جوزي وابني.
انت اتجوزتي وخلفتي كمان؟
اكتفت هند بهزة من رأسها قائلة: مضطرة أمشي لإني اتأخرت، أشوفك بخير.

هزت نجية رأسها فاتجهت هند إلى زوجها الذي مال مقبلا وجنتها بحب قبل أن تحمل منه الطفل وتداعبه ليضم كتفها بذراعه ويتجه بها إلى خارج الدار، تتابعهم نجية بعينيها في حزن تردد: لا حول ولا قوة الا بالله. حقيقي كما تدين تدان. سامحني ياااارب.

تمت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى